صحيفة الوسط - محمود الجزيري
شيَّعت قلوب المحبين الوجيه الحاج إبراهيم لطف الله الذي وافاه الأجل المحتوم أمس الأول الأحد (23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014) إلى مثواه الأخير في مقبرة أبو صيبع مسقط رأسه.
مسيرة الجنازة التي انطلقت من مأتم أبو صيبع حتى المقبرة، شارك فيها جمع حاشد من المواطنين من مختلف أنحاء البحرين، عرفاناً لـ78 عاماً قضاها الحاج لطف الله في خدمة البلد وأهلها.
فقد ولد الوجيه لطف الله في العام 1936م ولم يحظَ برؤية والدته، كما أن الدهر لم يمهله كثيراً في العيش في أحضان والده الذي غادر الدنيا ولم يبلغ الحاج لطف الله سوى 12 عاماً فقط.
وعلى رغم هذا الشهود القصير، فإن لطف الله الابن استطاع أن يقتبس من والده سيرة حياته ما دفعه إلى الذوبان في قضايا الناس وهمومهم.
لطف الله أرخ حبه للناس بقوله: «إن كل ما يبهج الناس يبهجنا. وكلما رأيت الناس مسرورة شعرت بالسرور».
غير أن طريق إعانة الناس والتفاعل مع احتياجاتهم، لم يمنع الحاج لطف الله من أن يكون من رواد الأعمال على مستوى البحرين. لذلك أثمرت هذه الجهود المتراكمة التي نهض بها تأسيس شركة بحرينية رائدة في مجالها، كانت هي مؤسسة الرضا للتجارة والمقاولات.
في يوم دفنه أمس، التقت «الوسط» بعض الشخصيات التي شاركت في مسيرة التشييع، لتعرف الفقيد على لسان أصحابه.
الستري: بقينا على عهد الصداقة حتى آخر يوم
الشيخ عبدالحسين الستري الذي أمَّ صلاة الجنازة على الفقيد، قال لـ»الوسط» إن معرفته بالحاج لطف الله امتدت منذ الصغر حتى يوم وفاته، «حيث كان الفقيد صديقي قبل أن نصبح زملاء عمل عند اشتغالنا في شركة نفط البحرين (بابكو)، وبقيت على عهد الصداقة معه حتى آخر يوم في حياته، إذ كنا نذهب ونجيء ونتزاور مع بعضنا بعضاً».
اسماعيل لطف الله: عشت في كنفه... وحبه للجميع يلهمني
الولد الأكبر للفقيد لطف الله، إسماعيل لطف الله قال: «إنني كنت على علاقة خير ومحبة مع والدي رحمه الله. فقد عشت في كنفه وتربيت في أحضانه وعمله معه وتعملت منه أشياء كثيرة».
وتابع لعل أكبر ما يمكن استلهامه من شخصية الوالد هو أخلاقه الدمثة مع الجميع، وطيبة قلبه وحبه للناس كافة، وكذا احترامه للكبير والصغير.
وعن أهم أعمال الفقيد الخيرية، تواضعاً لم يرغب الابن اسماعيل لطف الله في تفصيلها، لكنه أشار إلى بناء والده مسجد الإمام علي (ع)، وحسينية أبو صيبع في المنطقة نفسها.
الشيخ علي سلمان: الفقيد داوم على الخير حتى وفاته
الأمين العام لجمعية الوفاق الشيخ علي سلمان، لفت إلى أن الوجيه الحاج إبراهيم لطف الله كان واحداً من الذين داوموا على فعل الخير حتى آخر لحظة في حياته.
وقال: «إن موقفنا في المقبرة عبرة. كل الناس تأتي هنا محمولة، لكن الفرق بين واحد وآخر هو العمل الصالح، والحاج إبراهيم لطف الله قدَّم العمل الصالح برعاية أهل منطقته، واسهم مساهمات كبيرة في إقامة المشاريع الخيرية، كبناء المآتم والمساجد والعمل الصالح.
الحواج: كان رجلاً من رجال البحرين الأوفياء
النائب الثاني لرئيس غرفة تجارة وصناعة البحرين جواد الحواج ترحم على الفقيد، وقال إنه كان رجلاً من رجال البحرين الأوفياء يحظى بمكانة رفيعة عند الجميع.
وبيَّن أن الفقيد لم يبخل بمدِّ يد العون والمساعدة إلى كل المحتاجين، حتى شيد مأتم أبو صيبع هذا الصرح العظيم.
وعن دوره في الوسط التجاري، ذكر الحواج «للفقيد حجمه في الوسط التجاري، كما كان متعاوناً مع جميع التجار. وما هذا الحشد الكبير الذي يمشي وراء جنازته إلا دليل على موقع هذا الرجل في قلوب الناس.
كمال الدين: شخصية نادرة ... لن ينساها أهل المنطقة
الرئيس المستقيل من المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان سلمان كمال الدين، أكد أن الحاج إبراهيم لطف الله من الشخصيات النادرة التي بقيت على عهدها بالوفاء لدينها ووطنها، مشيراً إلى أن الحاج لطف الله يمثل شخصية جامعة محبة للخير وساعية له، وأن أياديه البيضاء لا ينساها أهل المنطقة.
وأضاف لقد عرفته منذ 35 عاماً، وكنت دائم التواصل معه في مجلسه وبالمناسبات المختلفة، واذكر أنه حدثني قبل وفاته بعام واحد عن نيته القيام بإعادة تجديد مقبرة أبو صيبع.
الحاج لطف الله... سيرة في رحلةِ الكدِّ والحب
للحاج الفقيد إبراهيم لطف الله شخصية ظلٍ تلازمه، ذلك هو عطاؤه المتدفق.
وعلى رغم أنه عاش ظروفاً قاسية في يتم من الأم، وحرمان من الأب في سن مبكرة، فإن الحاج لطف الله استطاع أن يقهر المصاعب ويحولها إلى فرصٍ للنجاح.
بدأ الحاج لطف الله حياته العلمية في الأربعينات من القرن الماضي، حيث أرسله والده للدراسة عند محمد علي بن خميس في المنامة، إذ كان يدرس طوال الأسبوع ويقيم في منزل أحد أقربائه، ثم يعود إلى قريته أبو صيبع يوماً واحداً في الأسبوع، وذلك لصعوبة توافر المواصلات آنذاك. كان ذلك يوم الخميس.
بعد وفاة والده (رحمهما الله) ترك الحاج إبراهيم لطف الله الدراسة حيث كان يتعلم الخط عند الملا أحمد السنابسي، واتجه للتجارة ليبدأ في ارتقاء أولى عتبات حياته العملية.
اشتغل الحاج لطف الله في بادئ الأمر بزازاً متجولاً بين القرى، يبيع الأقمشة على ظهر حمار، قبل أن يتوجه بعد ذلك إلى العمل في سوق الخضراوات القديم، حيث افتتح له دكاناً صغيراً. بعد ردحٍ من الزمن التحق الحاج ابراهيم بشركة نفط البحرين.
في الستينات من القرن الماضي، استطاع لطف الله شراء سيارة خاصةٍ به وكان حينها لايزال يعمل في شركة بابكو. لكن تعطشه لعمل الخير جعل سيارته الخاصة عامة لكل أهل القرية، حيث استعملها في نقل المرضى إلى المستشفى، في زمن كانت السيارة فيه عملة صعبة الوجود.
في العام 1976 ترك الحاج لطف الله العمل في «بابكو»، وخاض تجربته الخاصة في الأعمال الحرة، التي كللت بالنجاح بعد أن أثمر مخاض السنين ولادة مؤسسة الرضا للتجارة والمقاولات.
الشيخ فاضل الزاكي وهو ابن اخت الفقيد تحدث إلى «الوسط» عن بعض شمائل خاله، وقال: «إنه كان بشوشاً، ذا ابتسامة جذابة، متواضعاًَ يجذبك في حديثه».
وأضاف كما كانت للخال أيدٍ بيضاء في الكثير من المشاريع الخيرية. فقد عرف بمساعدة الفقراء والمحتاجين، ودعم مشاريع المتفوقين وتشجيعهم على الجد والمثابرة.
ويواصل الزاكي قائلاً: «إن أياديه البيضاء ساهمت في تعمير كل مساجد ومآتم القرية، كما كان كثير السفر للحج والعمرة وزيارة مراقد أئمة أهل البيت (ع).
مرض الحاج في أواخر عمره، حتى وافاه الأجل يوم الأحد الماضي، وووري الثرى أمس (الإثنين) في مقبرة أبو صيبع، بمشاركة واسعة شملت لفيفاً من مختلف الشخصيات البحرينية».